وإكمالاً لإخي اسامه
القدرية طائفتان: طائفة الكفار، وطائفة مبتدعة، فالكفار: هم الذين أنكروا المرتبتين من مراتب القدر، مراتب القدر أربع لا بد من الإيمان بها، من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر. المرتبة الأولى: العلم، علم الله بالأشياء قبل كونها، الله يعلم ما كان في الماضي، وما يكون في الحاضر والمستقبل، وما لم يكن لو كان كيف يكون.
والثاني: الكتابة؛ كتابة الأشياء في اللوح المحفوظ، بالذوات والصفات، كل شيء مكتوب.
والثالث: الإرادة والمشيئة، كل شيء في هذا الكون؛ كل شيء يقع في هذا الكون لا بد أن تكون سبقت به إرادة الله ومشيئته.
والمرتبة الرابعة: الخلق والإيجاد، أن الله خالق كل شيء بالذوات والصفات. هذه مراتب القدر: العلم، والكتابة، والإرادة، والخلق. علـم كتـابة مـولانا مشيئته
خلقـه وهـو إيجـاد وتقدير
من لم يؤمن بهذه المراتب الأربع لم يؤمن بالقدر.
القدرية الأولى أنكروا المرتبتين الأوليين، قالوا: إن الله تعالى لم يسبق علمه بالأشياء قبل كونها، وأنكروا كتابتها؛ أي في اللوح المحفوظ، وهم الذين خرجوا في عهد الصحابة رضوان الله عليهم، وهم الذين سأل عنهم حميد الطويل وصاحبه معمر أول ما خرجوا في البصرة، غيلان الدمشقي ومعبد الجهني، فجاء حميد الطويل وصاحبه من البصرة، وقالوا: لو وفق لنا أحد أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لسألنا عن هؤلاء، قال: فخرجنا حاجين، فوفق لنا عبد الله بن عمر -الصحابي- قال: فاكتنفته أنا وصاحبي وظننت أنه سيكل الحديث إلي فقلنا له: أبا عبد الرحمن، إنه ظهر قِبَلَنا - يعني في البصرة - قوم يتقفرون العلم - يعني يطلبون العلم- ويزعمون أن الأمر أُنُف - يعني: مستأنف وجديد، لم يسبق به علم الله، يقولون: إن الله ما يعلم بالشيء حتى يقع، نسبوا الله إلى الجهل - فقال ابن عمر -رضي الله عنه-: إذا لقيت هؤلاء فأخبرهم أني منهم بريء، وأنهم مني براء، والذي نفس ابن عمر بيده، لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهبا ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر خيره وشره. ثم ساق حديث عمر وحديث جبرائيل في سؤالات النبي صلى الله عليه وسلم؛ يسأله جبرائيل عن الإسلام وعن الإيمان وعن الإحسان وعن الساعة وعن أماراتها، ولما سأله عن الإيمان قال: الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره هذا أول حديث في صحيح الإمام مسلم.
هؤلاء القدرية الأولى كفار، كفرهم العلماء، وقالوا: إنهم خارجون من الاثنتين والسبعين فرقة لماذا؟ لأنهم أنكروا علم الله بالأشياء، قالوا: ما يعلم الله بالأشياء حتى تقع، هم نسبوا الله إلى الجهل، فهم كفار، وهم الذين قال فيهم الإمام الشافعي: ناظروا القدرية بالعلم، فإن أقروا به خصموا، وإن أنكروه كفروا. وهذه انقرضت؛ الطائفة الأولى انقرضت.
الطائفة الثانية: القدرية المتوسطة، الذين أثبتوا علم الله بالأشياء وكتابته له في اللوح المحفوظ، ولكنهم أنكروا عموم الإرادة والمشيئة، وعموم الخلق والإيجاد، فقالوا: إن الله قدر كل شيء، وأراد كل شيء؛ إلا أفعال العباد، ما أرادها ولا قدرها من الطاعات والمعاصي، وقالوا: إن الله خالق كل شيء من الذوات والصفات إلا أفعال العباد لم يخلقها؛ بل العباد هم الذين خلقوها بأنفسهم استقلالا. لشبهة عرضت لهم، ما هذه الشبهة؟ يقولون: لو قلنا إن الله خلق المعاصي وعذب عليها لصار ظالما. ففرارا من ذلك قالوا: إن الله ما خلق المعاصي ولا الطاعات، فالعبد هو الذي خلق الطاعة يجب على الله أن يثيبه؛ يستحق الثواب على الله كما يستحق الأجير أجره، وإذا فعل المعصية يجب على الله أن يعذبه ويخلده في النار.
ولزمهم على هذا فظائع، لزمهم: أن يقع في ملك الله ما لا يريد، وأن مشيئة العاصي تغلب مشيئة الله.
أما القول بأن الله تعالى خلق المعاصي؛ وإنما خلقها لحكم وأسرار، لولا خلق الله للمعاصي والكفر فاتت عبوديات محبوبة لله، عبودية الجهاد في سبيل الله، عبودية الولاء والبراء، عبودية الدعوة إلى الله، عبودية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عبودية الحب في الله والبغض في الله، لو كان الناس كلهم من أين هذه العبوديات؟! والذي ينسب إلى الله إنما هو الخلق والإيجاد، والخلق والإيجاد مبني على الحكمة، وهذا هو معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: والشر ليس إليك يعني الشر المحض الذي لا حكمة في تقديره ليس إلى الله. فهؤلاء الطائفة القدرية مبتدعة من أجل الشبهة التي حصلت لهم، لأنهم متأولون، والمراد بالقدرية هم هؤلاء.