إن نفس الإنسان جوهرة ثمينة , وبلا تردد أن أول الناس بالنسبة له هي نفسه , وهي أشبه شيء بالدابة الجامحة المستعصية , التي تريد أن يطلق لها العنان , فترتكب ما يحلو لها من الأعمال والمعاصي , والذنوب والأخطاء , والعقل هو ذلك العقال , أو اللجام الذي يمنعها من الإنطلاق والإنفلات في طريق الهوى والضلال ,وممارسة الأخطاء.
فإذا عقلت النفس ووجهت في طرق الخير , إنتظمت حياة الإنسان واقترب من الحكمة , وإذا أطلقت وتركت , إرتبكت حياة الإنسان وأوردته موارد الشر والهلاك .
صحيح أنه لا فاصل كبير بين الإنسان ونفسه , إذ أنها النفس لذات الجسد , فهي أقرب المقربين إلى الإنسان , ولكن هذا القريب هو ألد الأعداء بالنسبة إليه فيما إذا إنصاع إليها وأصبح مطية لها في ممارسة الشر وارتكاب الأخطاء.
يقول الرسول الأعظم (ص) :
(أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك) , وبما أن النفس هي الد الأعداء بالنسبة للإنسان , فهي يجب أن تجاهد , ومتى ما جوهدت أستطاع الإنسان أن يجعل منها مطية , ومركبا للخير , واستطاع أن يختار لها ما يجب العمل به من الخير والصلاح , وترك ما يجب أن تنتهي عنه من الشر والفجور , يقول تعالى : (ونفس وما سوّاها , فألهما فجورها وتقواها , قد أفلح من زكاها , وقد خاب من دسّاها) .
ومتى ما طهر الإنسان نفسه , وجعلها تحت إمارة عقله , إستطاع أن يهييء الأرضية الصالحة له للعمل والتصرف في جميع ميادين الحياة بشكل حكيم وقويم , ومن الميادين الهامة , ميدان التعامل والمعاشرة مع الناس , فالإسوء أكان في بيته أو في موقع العمل , أو في الشارع , أو في مكان آخر , هو يعاشر الآخرين ويتعامل معهم , وميدان التعامل مع الناس هو من أهم الميادين التي يختبر فيها الإنسان ونفسه وهو يعتمد على إصلاح النفس وتهذيبها , فمن يصلح نفسه ويهذبها ويزكيها يكون مؤهلا لأن يتعامل مع الناس بشكل حسن وناجح , من لا يصلحها , ولا يهذبها ولايزكيها لا يمكنه ذلك بالطبع .
وقد يقول قائل :
لا علاقة بين إصلاح النفس وبين التعامل مع الناس , فهناك أناس فسّاق وفجّار , ويرتكبون الموبقات كالزنا وشرب الخمر, والسرقة , ولعب القمار , وغير ذلك ,ولكنهم يتعاملون مع الناس بشكل جيد, فيحترمونهم , ويقدرونهم , ولا يسيئون إليهم .
والرد على ذلك :
نادرا ما تجد الفسقة والفجار يتعاملون مع الناس بشكل حسن , وإذا وجد فيهم من يحترم الناس ولا يسيء إليهم فذلك لوجود بقايا الفطرة والوجدان, أو أن حالة الفسق والفجور مقصورة على النفس دون ربطها بالتعامل مع الاخرين , إلا أن حالة الإنحراف مهما قصرت على النفس فإن أثارها على الآخرين تظهر من خلال التعامل معهم , لأن إصلاح النفس هو الأرضية السليمة لإصلاح جميع التصرفات في الواقع الخارجي .
الأمر الآخر , لا يكفي أن تكون علاقة الإنسان بالناس جيدة بينما علاقته مع نفسه سيئة , فمثل الذي يحسن التعامل مع الآخرين ويسيء التعامل مع نفسه كمثل الذي يعطي المعروف للأبعدين , وينسى الأقربين له بينما القاعدة تقول : (الأقربون أولى بالمعروف).