بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، مستحق الحمد وأهله ، المجازي خلقه جزاء دائراً بين عدله وفضله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه وحكمه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أفضل خلقه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وتابعي هديه ، وسلم تسليماً .
أما بعد :
أيها الناس : اتقوا الله تعالى ، واتقوا النار التي أعدت للكافرين ، وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون ، اتقوا ذلك بامتثال أوامر الله ، واجتناب نواهيه ، فإنه لا نجاة لكم من النار إلا بهذا ، اتقوا النار فإنها دار البوار والبؤس ، ودار الشقاء والعذاب الشديد ، دار من لا يؤمن بالله واليوم الآخر ، ساكنوها شرار خلق الله من الشياطين وأتباعهم قال الله تعالى لإبليس : { فالحق والحق أقول لأملأنَّ جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين } ، دار فرعون وهامان وقارون وأبّي بن خلف وغيرهم من طغاة الخلق وفجّارهم ، ولئن سألتم عن مكانها ، فإنها في أسفل السافلين ، وأبعد ما يكون عن رب العالمين ، طعام أهلها الزقوم ــ وهو شجر خبيث مر المطعم كريه المنظر لا يسمن ولا يغني من جوع ــ ، وفي الحديث عن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ قال : « اتقوا الله حق تقاته فلو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهـم » . رواه النسائي والترمذي وقال حسن صحيح .
هذا طعامهم إذا جاعوا ، فإذا أكلوا منها التهبت أكبادهم عطشاً ، وإن يستغيثوا يغاثو بماء كالمهل ــ وهو الرصاص المذاب ــ يشوي وجوههم حتى تتساقط لحومها ، فإذا شربوه على كره وضرورة قطع أمعاءهم ، ومزَّق جلودهم ، هذا شرابهم كالمهل في حرارته ، وكالصديد في نتنه وخبثه ، يضطر شاربه إلى شربه اضطراراً ، يتجرعه ولا يكاد يسيغه ، ويأتيه الموت من كل مكان ، وما هو بميت ، ومن ورائه عذاب غليظ .
أما لباسهم فلباس الشر والعار ، قطعت لهم ثياب من نار ، سرابيلهم من قطران ، وتغشى وجوههم النار ، فلا يقيهم هذا اللباس حر جهنم ، وإنما يزيدها اشتعالاً وحرارة ، ولا يستطيعون أن يقوا به وهج النار وحرها عن وجوههم : { يصب من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجـوا منهـا مـن غـم أعيدوا فيهـا وذوقوا عذاب الحريق } .
عباد الله : اتقوا النار ، فإن حرها شديد ، قد فضلت على نار الدنيا كلها بتسع وستين جزءاً يصلاها المجرمون فتنضج جلودهم ، قال الله تعالى : { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها لذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيماً } ، يرتفع بهم اللهب حتى يصلوا إلى أعلاها ، وكلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ، وقيل لهم ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون ، عذابهم فيها دائم لا يفتر عنهم ، وهم فيه مبلسون ، يتكرر عليهم فلا يستريحون ، ويسألون الخلاص منه ولو ساعة فلا يجابون ، يقولون لخزنة جهنم : ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب ، فتقول الملائكة لهم أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات ؟! قالوا : بلى ، قالوا : فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ، فلن يستجاب لهم ؛ لأنهم لم يستجيبوا للرسل حينما دعوهم إلى الله تعالى ، فكان الجزاء من جنس العمل ، قالوا : ربنا غلبت علينا شقوتنا ، وكنا قوماً ضالين ، ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ، فيقول الله لهم ــ على وجه الإهانة والإذلال ــ : اخسؤوا فيها ولا تكلمون . فحينئذ ييأسون من كل خير ويعلمون أنهم فيها خالدون ، فيزدادون بؤساً إلى بؤسهم ، وحسرة إلى حسرتهم ، كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين مـن النـار : { خالدين فيها أبداً لا يجدون ولياً ولانصيراً يوم تقلـب وجوههـم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا } .
عباد الله : اتقوا النار ، فإن قعرها بعيد ، وأخذها شديد . قال أبو هريرة ــ رضي الله عنه ــ : كنا عند النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ فسمعنا وجبة ــ أي صوت شيء وقع ــ ، فقال النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ : « أتدرون ما هذا قلنا الله ورسوله أعلم قال هـذا حجـر أرسله الله في جهنم منذ سبعين خريفاً ــ أي سنة ــ فالآن حين انتهى إلى قعرها » . ( رواه مسلم ) .
إذا رأت النار أهلها من مكان بعيد ، سمعوا لها تغيظاً وزفيراً تتقطع منه القلوب ، فإذ ألقوا فيها ، سمعوا لها شهيقاً وهي تفور ، تكاد تتميز من الغيظ ــ أي تكاد تتقطع من شدة الغيظ والغضب على أهلها ــ ، فهي دار حانقة غاضبة على أهلها ، وهم في جوفها ، فما ظنك أن تفعل بهم ؟! .
عباد الله : اتقوا النار ، احذروا أن تكونوا من أهلها ، ولقد بين الله لكم صفات أهل النار ، وصفات أهل الجنة ، جملة وتفصيلاً ، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، قال الله تعالى : { فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى } .
اللَّهم إنا نسألك النجاة من النار ، والفوز بدار القرار