موضوع: ءالإمام أحمد بن حنبل 2007-07-03, 23:01
--------------------------------------------------------------------------------
ء
الإمام أحمد بن حنبل
ملاحظة : هذه التراجم عبارة عن مُلخصات مأخوذة من كتــاب " إسلام بلا مذاهب " للدكتور مصطفى الشكعة .
رابعا : الإمام أحمد بن حنبل
تعريف :
يأتي ترتيب الإمام أحمد بن حنبل بين أصحابه المشهورين من أئمة السُّنة الرابع من حيث الترتيب الزمني فقد وُلد سنة مائة وأربع وستين للهجرة وتُوفي سنة مائتين وواحد وأربعين للهجرة ، وأما من حيث وزنه العلمي والديني فنحن أمام رجل فريد في عقيدته وعلمه ، شجاع في رأيه ومسلكه لا يخشى في الله لومة لائم ، خاشع لربه صائم قانت ورِع زاهد ، يرعى الله في كل قول وفعل ، ويخشاه في كل لمحة وحركة ويتمثله في كل لحظة وطرفة عين .
لقد كان ابن حنبل ملء السمع والبصر بحياته الحافلة بألوان من المُجابهات الشديدة التي امتُحِن بسببها امتحانا شديدا لم يتعرض لمثله الأئمة السابقون له ، برغم ما صادفهم من شدائد لابد لأصحاب الرسالات دائما من أن يصادفوها وأن يكتووا بنارها .
إن اسمه كاملا أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، وكنيته أبو عبد الله ، فهو عربي النجار وإن وُلد بمرو حيث كان يعمل أبوه ، حُمِلَ إلى بغداد رضيعا ورُبي يتيما ونشأ فقيرا وأحب العلم حبا شديدا ، ولم يكن له من المال ما يقيم أوده ، لم يتردد في الإقدام على أيّ من الأعمال ليكسب قوت يومه مادام هذا العمل شريفا ، وكان يعمل حمالا مع الحمالين في بعض الأوقات إذا اقتضته الضرورة ، لقد صنع ذلك وهو في طريقه إلى اليمن لتحصيل حديث رسول الله الذي شغف به وتفرغ به حتى أصبح يُلقّب : " إمام المُحدِّثين " .
علمه وزهده :
هذا الرجل الفقير يجلس إلى كبار علماء زمانه يتلقى عنهم ، فيجلس إلى أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم صاحب أبي حنيفة ، وهشيم بن بشير بن أبي حازم الواسطي أستاذ الحديث ببغداد ويلازمه سنواتٍ أربع ويكتب عنه ثلاثة آلاف حديث ، ويرحل إلى اليمن والكوفة والبصرة والمدينة ومكة ، وفي مكة يلتقي أحمد بالشافعي ويسمع عنه ، فيُعجب به ويلزم مجلسه ، ثم ينتقل الشافعي إلى بغداد فتزداد صلة أحمد به توثقا ، فيطيل الجلوس إليه ويتعلم منه الفهم والاستنباط واستخراج الأحكام ، ويرحل الشافعي إلى مصر ويكاد أحمد يلحق به غير أن الظروف لم تساعده على ذلك فيبقى في بغداد وتظل المراسلات قائمة بينه وبين الإمام الشافعي على بُعد الشقة وطول المسافة بين البلدين .
ولكن الشافعي لا يُغادر بغداد حتى يشهد لأحمد شهادة تضعه على رأس علمائها ، ذلك أن الشافعي بوزنه العلمي الديني الكبير لا بد من أن تكون لشهادته قيمة تعدل وزنه ، لذلك فهو يقول : خرجتُ من بغداد وما خلّفتُ فيها أتقى ولا أفقه من ابن حنبل ، بل إن الشافعي تقديرا منه لابن حنبل وشهادة منه له بالفضل قال يوما لتلميذه الربيع بن سليمان في مصر : أحمد إمامٌ في ثماني خِصال ، إمام في الحديث ، إمام في الفقه ، إمام في اللغة ، إمام في القرآن ، إمام في الفقر ، إمام في الزهد ، إمام في الوَرَع ، وإمام في السُّنة .
لقد صدق الشافعي في كل صفة من هذه الصفات التي وصف بها ابن حنبل ، فإن ما جمع من أحاديث صحيحة ضمَّنَها " المُسند " وغير المسند تشهد لجامعها بإمامة الحديث ، بل إن صفته التحديثية قد حجبت صفته الفقهية ، ولذلك حكم كثير من أهل التخصص بأنه محدّث أكثر منه فقيها ، والحق أن ابن حنبل اهتم بالحديث اهتماما بالغا وقد كان حِفاظاً منه على الحديث يدونه ويقول : الكتاب (يقصد التدوين) أحفظ شيء ، وكان يقول لتلميذه ابن المدني : لا تتحدث إلا من كتاب ، ومثل هذا القول يدل من ابن حنبل على شعور كامل بمسئولية العلم وأمانته .
على أن هذا الذي نعتبره فضلا عند ابن حنبل قد ذهب بعض مُعارضيه إلى اعتباره عيبا فيه وفي أصحابه لأنهم دائمو التدوين ، وبالتالي فليس لديهم الوقت للتفكير وإبداء الرأي ، فكان ابن حنبل يرد عليهم قائلا : أنا أطلب العلم إلى أن أدخل القبر ، وقد أرسل في ذلك جملته الشهيرة الرائعة : مع المحبرة إلى المقبرة .
والإمام ابن حنبل مع علمه كان تقيا ورِعا ، فقد ذكر ابنه عبد الله أنه كان يقرأ القرآن كل أسبوع ختمتين ، واحدة بالليل وواحدة بالنهار ، كما أُثر عنه أنه كان يُصلي في الليلة ثلاثمائة ركعة فلما ضعُفت صحته بدافع المرض جعلها مائة وخمسين .
وأحمد بن حنبل زاهد إلى الحد الذي جعله يرفض الجلوس على الحصير لأنه ترف ومن ثَمّ فقد آثر أن يجلس على التراب ، ويسعى إليه المجد من قِبل الخليفة المتوكل ليتولى ابنه المعتز بالعلم والرعاية ، وليته فعل ، فقد كان الحكم آنذاك في حاجة إلى ملكٍ يُربيه إمام عظيم مثل ابن حنبل ، ولكن الإمام العظيم كانت له وجهة نظره الخاصة ، بالإضافة إلى أنه كان في تلك الفترة من حياته قد آلى على نفسه أن يمتنع عن التحدث .
ولم يكن الإمام أستاذا للجمهرة وحدها ، لقد كان أستاذا وإماما لخاصة الخاصة ، كان أستاذا للمحدث عبد الرحمن بن مهدي ولأبي حاتم الرازي وموسى بن هارون وبقي بن مخلد الأندلسي وعلى بن المدني ، ثم هو إلى ذلك كله أستاذ شيخي الحديث وعَلَمَيْهِ الخفاقين محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابـوري .
ولكن في غمرة هذه الشعرة كثيرا ما تجري أحداث مضحكة حينا ومؤسفة حينا آخر ، ومن الأمور التي بدت فيها حدة التصرف والاندفاع من أنصار ابن حنبل وأتباعه ذهابهـم إلى الطبري وعتابهـم له لأنه في كتابـه " اختلاف الفقهاء " عدّ ابن حنبل محدثا ولم يعده فقيها ، فلما أجابهم بقوله : ما رأيته رُوِيَ عنه ولا رأيت أصحابا يعول عليهم ، وثبوا عليه ورموه بمحابرهم ثم قذفوا داره بالحجارة إلى أن تدخلت الشرطة واضطر الرجل حفاظا على نفسه أن يعتذر لهم ، وعندما مات الطبري مُنع الاحتفال به ودُفِنَ في داره ليلا .
وللحديث بقية ... :)في العددالقادم